25 - 06 - 2024

كش ملك | مغامرات إسرائيلية على رقعة "خليجية"!

كش ملك | مغامرات إسرائيلية على رقعة

الشطرنج لا يعرف المقامرة ، ويتردد في المغامرة .. أما "السياسة" فتعرف المقامرة ، وتهوى المغامرة إذا ما اقتضت المصلحة.. الإخوان (مثلا) دفعهم الاستعلاء بالثروة (المال والتنظيم) إلى القفز فوق "التضاريس" الاجتماعية والثقافية في مصر ، فانزلقوا من "هضبة المغامرة" إلى "بئر المقامرة" ، وخسروا كل ممتلكاتهم... ومحمد ، نجل الرئيس الراحل معمر القذافي ، ورئيس اللجنة الأولمبية الليبية (زمان)  ، قامر بسمعة بلاده المعادية لإسرائيل ، بمغازلة فريقها للشطرنج ، عندما وجه دعوة له للإشتراك في الأولمبياد العالمي للشطرنج في العام 2004، حتى ينال موافقة ودعم الاتحاد الدولي للعبة على استضافة الجماهيرية الليبية العظمى للحدث، ، إلا أن المقامرة ( لحسن الحظ) فشلت قبل أن تتحول إلى مغامرة تطيح بشعارات القومية ومعاداة إسرائيل.

منذ ذلك التاريخ ، أدركت  إسرائيل ، أن الشطرنج قد يفتح لها أبواب "الملوك" ويقفز بها من فوق الحدود ، وبالفعل ، نجح في الوصول إلى الشط العربي في الخليج ، ليشارك في عديد من البطولات الدولية المقامة هناك، وفي العام 2017 بدأ في مطاردة السعودية عندما أعلنت تأسيس اتحاد اللعبة ، وإطلاق بطولة عالمية كبري تحمل اسم الملك سلمان .. حاول الإسرائيليون وقتها الحصول على تأشيرة دخول أراضي المملكة ، وفشلوا ، وفي النسخة الثانية اشترط الاتحاد الدولي مشاركة "أولاد العم" ، وقرر سحب تنظيم البطولة من المملكة ، ووافقت موسكو على استضافتها في مدينة سانت بطرسبرج  على أن يكون التنظيم مناصفة بين روسيا والسعودية.

وفي ديسمبر 2020 شارك الإسرائيلي ليمريك كاغانسكي، المصنف أستاذ دولي في ختام بطولة الشطرنج السريع (أونلاين)، نظمها نادي العين  ضمن مهرجان الاحتفال باليوم الوطني للإمارات في الثاني من ديسمبر الذي نظمه نادي العين للشطرنج، وكان يرافقه نائب رئيس الاتحاد الإسرائيلي للعبة، دان كاليسكي الذي اشترك هو الآخر في اليوم الأخير ، وانتهت مباراته مع حمودة بن حمودة لاعب العين بالتعادل ، في حين فاز علي حمدان الشريفي، على ليمريك كاغانسكي الأستاذ الدولي الإسرائيلي.

وللشطرنج تاريخه على رقعة السياسة ، كتبه وصاغه ، حصان "الابتزاز"، منذ العام 1954 عندما قفز الأخير إلى داخل الولايات المتحدة الأمريكية ، لمواجهة ضابط الاستخبارات الأمريكي الكندي وليم جاي كار، الذي راح ضحية كتابه "أحجار على رقعة الشطرنج" حيث سلط الضوء فيه على الدور الصهيوني في السياسة الدولية ، ليختفي الرجل في ظروف غامضة بعد أن سيطر "حصان الابتزاز" على "مربع الميديا" وأجبر الإدارة الأمريكية على منع وإيقاف أية أخبار عن القتيل في الصحف هناك .. وواصل "حصان الابتزاز" سيطرته على مربع الميديا مع اندلاع الحرب الباردة بين قطبي العالم وقتها ، الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي ، وانتهز فرصة إصدار أمريكا لمذكرة اعتقال بحق بوبي فيشر بطل العالم و العبقري التاريخي للعبة ، بسبب ذهابه للعب في يوغسلافيا الواقعة (وقتها) تحت مقصلة العقوبات الأمريكية ، لينقض "الحصان الإسرائيلي" على الرجل بعد أن أنكر الهولوكوست، ووصف أميركا بـ"المهزلة التي يسيطر عليها القذرون، أصحاب أنوف الكلاب، المختونون اليهود الأوباش"، وبعد وقوع حادثة 11 سبتمبر 2001 مباشرةً (تقريباً بعد أربع ساعات) كان فيشر في مقابلة إذاعية مباشرة في بابلو ميركادو في الفلبين، أعرب خلالها عن سعادته بهذا الهجوم، و قال: "أنا أحيي هذا الفعل، أنظروا ، لا أحد يفكر بأن أمريكا وإسرائيل قد ذبحت الفلسطينيين لسنوات"، وعلى خلفية هذه التصريحات قام الاتحاد الدولي للشطرنج بطرده من المنظمة ، وتم سحب جواز السفر خاصته ليهرب إلى اليابان .. وأثناء محاولته السفر إلى الفلبين وشت به المخابرات الإسرائيلية إلى السلطات اليابانية وتم القبض علية بحجة انتهاء صلاحية جواز سفره وسجن لثمانية أشهر ، لكن الضغط الدولي نجح في ترحيل بوبي فيشر إلى إيسلندا ، وانتهى به الحال معزولا وحيدا في مدينة ريكيافيك إلى أن وافته المنية العام 2008 بسبب فشل كلوي حاد.

وهكذا كان حصان الابتزاز ( صانع التاريخ السياسيى للشطرنج) يواصل مغامراته ، ويقفز من دبي إلى الدوحة ، فالمنامة ، ويقلع إلى مراكش على خطوط العال الإسرائيلية ، وجاءت "كورونا" لتحول دون مواصلة المغامرة  وتوقفها إلى حين .. وفي جميع الأحوال  يبقى السؤال ، هل تواصل المغامرة رحلتها ، ولو عبر النت ، من خلال مسابقات الـ"أونلاين" التي تقيمها الاتحادات العربية؟ ، أم تفشل على أعتاب جيل صاعد ، مثل لاعب الشطرنج الموريتاني عبد الرحيم الطالب محمد (14 سنة) ، الذي رفض اللعب مع متسابق إسرائيلي، في بطولة العالم للناشئين التي أقيمت أغسطس الماضي لكونه من دولة وهمية (كما قال).

في جميع الأحوال لن تخسر إسرائيل شيئا من مواصلة المغامرة واللعب مع العرب على رقعة شطرنج لكنها يوما بعد يوم تتيقن أن "حصان الابتزاز" قد يقفز فوق القصور والعروش ، لكنه لن يرمح أو يقفزعلى المكون الثقافي العربي العام الذي تشكل منذ حرب فلسطين العام 1948 ، وأرسى دعائمه بعد العدوان الثلاثي على مصر العام 1956 ، وصمد في أعقاب نكسة 67.

اتركوا الحصان يقفز هنا أوهناك ، على أن يتحمل مالكه ثمن المغامرة في وجود بيادق جديدة من موريتانيا ومصر وكثير من الأشقاء .. بيادق تستطيع أن تقول للحصان الإسرائيلي: "كش" !.
----------------------
بقلم: أحمد عادل هاشم

مقالات اخرى للكاتب

الشارع لمين ؟





اعلان